الخميس، 4 يناير 2018

..خاطرة جُمُعة.. التفكر في الآيات(9_12) من سورة الكهف..!

د/علي العسلي قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) صدق الله العظيم.. قال تعالى: ﴿ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَباً﴾.. إن اصحاب الكهف هم قصة عجيبة بذاتها ،ولذلك ربنا جل وعلا وثق حكاياتهم في سفر الخالدين وبقرانه الكريم ،وهي قصة يتناولها المسلمون جيلاً بعد جيل ،لتكون لهم دليلاً ومرشداً ،فمن يريد ويمتلك العزيمة والارادة لفعل أي شيء مفيد له ولمجتمعه في دنياه وأخرته، فحكايتهم وقصتهم المثيرة حدثت في الدنيا ،ولأنها تحمل مثل وقيم ،فقد نزلت بها آيات بينات للاستفادة منها واخذ العبرة والقدوة في الدنيا قبل الأخرة ..؛ فقصة أصحاب الكهف ليست أعجب آيات الله ، آيات الله كلها عجيبة ، وهذه بعض الآيات .﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ ﴾ الكــهف ؛ المــغارة الكبــيـرة ..؛ ﴿ وَالرَّقِيمِ ﴾ فلقد اختلف في تفسيرها فبعضهم قال : اسم الكلب الذي كان معهم ..! ؛ إن هذا الاستفهام استفهام إنكاري ؛ أم حسبت..؟ ؛ أي أن هذه القصة ليست عجيبةً إذا قيست بقدرة الله ، أما إذا قيست بقوانين البشر فهي عجيبة ، فهي خرق للعادات والسنن التي ألفها الناس ..؛ وبالمناسبة ؛ تعد هذه القصة دليلاً على أن الله تعالى يوفق المؤمنين والصادقين فيما يطرحون من قضايا ،فيكرمهم الله بمثل هكذا كرامات ،ليس ذلك فحسب وانما ينزل بقصصهم قرأناً يتلى من السماء وهو من كلام الله جلّ شأنه ، نعم! ؛ فهذا الذي جرى بحق أهل الكهف هو نوع من أنواع الكرامات . ولقد قال العلماء : الكرامات على نوعين ؛ نوع فيها خرق لما ألفه النــاس ، ونوع ليس فيه خرق لما ألفه الناس .. أما أن يبقى الإنسان حياً أكثر من ثلاثمائة عام !! فهذا خرق لمألوف العادات ، إذاً هذه كرامة لهم . وأما أن يحفظ الله أجسامهم من التلف ، ومن التفسخ ، فهذه كرامة أخرى لهم ، وأما الكرامات التي ليس فيها خرق للعادات ، فهي كرامة العلم والحكمة..!! ؛ ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ إن الإشارة للفتية هنا تدل على الفئة العمرية الشابة ،والتي هي طاقة هائلة تتفجر ابداعات وقوة وتحصيلاً علمياً وعملاً مسؤولاً ؛ أو لا سمح الله هذه الطاقة إذا ما وظفت في غير ما يريد الله ويبتغيه ،فإنها ستنعكس وتؤثر على كل العالم: تدميراً وتقتيلاً وتخريباً ، فمن يستغلها لأعماله الشريرة كما يفعل غُلاة قومنا هذه الايام، عندما يستقطبون الشباب والصبية ، ثم يتم تعبئتهم ليتحولوا إلى زلزال يشقق الارض ويسقط البنيان غير المؤسس تأسيساً صحيحاً ويميت الإنسان،،، وهذا ما لا يرتضيه الله ولا رسوله ولا الإمام علي كرم الله وجهه ،والذي هو من الفتية المؤمنة بالله وبالرسول منذ صغره ،فانعكس ايمانه هذا.. بطولات وحكمة وعلماً فاستفاد منه المسلمون وتعلموا منه فنون واساليب القتال وكيفية الانتصار..! ؛ واستفاد منه الطلاب في طلب العلم ،واستفاد منه القضاة في مسائل القضاء والحكم في القضايا ،واستفاد منه الزهاد في تعلم الورع ، وهكذا..؛ فهناك حديث أو أثر يقول: "من شبّ على شيء شاب عليه ، ومن شاب على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء حُشر عليه ."﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ ﴾ يعني: فتيان .﴿ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ فما الذي جعلهم يفرون بأنفسهم ومعتقداتهم إلى الكهف.. ؟؛ يقال في بعض التفاسير أن هؤلاء الفتية كانوا يعيشون في ظل حاكم مستبد وظالم لا يؤمن بتوحيد الله ، فكل من خالفه أمر بقتله ، وكان خيارهم صعباً جداً ، إما أن يمضوا بما يأمرهم به وهو مخالف لأمر الله وعبادته ، وإما أن يطيعوا الله ويعبدوه عز وجل وحده ، فتهدروا دماءهم ، لكنهم آثروا طاعة الله عز وجل على كل ما سواه . ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ﴾ ؛ عند هذه الآية وفي مثل هذا الذي نعيشه من أوضاع قاسية مؤلمة ؛ علينا ان نقف قليلاً أمام هذه الآية وعظمتها ،فنتفكر فيها ،ونُقِيم انفسنا وشبابنا ،ثم ننتج فكراً رشيداً لتصويب انحراف واعوجاج شبابنا وشباتنا، وتقويم اعوجاج حكامنا ونخبنا ،التي افسدت وفسدت ،.واذا رأيت تفسير الفساد بأنه شطارة فأقرأ على الدنيا السلام ،واذا رأيته ايضاً مستشري فالأمة في خطر عظيم ، وإذا رأيت تفقيراً وتجويعاً وقطعاً للرواتب فما يمكنك أن تقول ؟! ؛ واذا رأيت هوى الحوثي وغيره يُتبع ، وإعجابهم برأيهم يؤمر بتنفيذه بالقوة ، فليس أمامك سوى خيارين اثنين: إ ما الاستنهاض ،وإما الرحيل ،الفرار بالدين والضمير من بطش المتكبرين.. ؛ فعلى اليمنيين مثلاً أن يستنهضوا لانهاء انقلاب وطغيان المنقلبين ،وتوقيف هذا الظلم والاعجاب بالنفس والهواء ، عن طريق مقاومته وحرمانه من طاقة الشباب ودفعهم للقتال واكراههم على فعل ذلك ،فينبغي والحالة هذه على كل اسرة هنا وجوبا ان تحافظ على ارواح ابنائها والزمهم ببيوتهم ، وعدم القبول بتأييد من يدفع بهم للموت ظلماً وعدواناً ، وينبغي كذلك عدم نشر أكاذيبهم ، وتبيان الحقائق المتوفرة للأخرين لمن يعرف ، وترك كل ما يُستنكر ، فإن لم يستجيب الناس لكل ما سبق فألزم بيتك وخاصتك أولى..؛ أو اتخاذ قرارات صعبة بأن تفر بقناعتك من جور وغطرسة من استولوا على البلد بالقوة ..؛ ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾.. الرحمة : الشيء المريح ، إما أن يكون مادياً أو معنوياً ، فالأمن رحمة ، الرزق رحمة ، الصحة رحمة ، الزوجة رحمة ، الأولاد رحمة ، المأوى رحمة ، السلامة من العيوب رحمة ، السمعة الطيبة رحمة ، هذه كلها رحمة..؛ ﴿ وهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً﴾ إن أثر الرشد يظهر بوضوح في التصرفات والمعاملات..؛ نعم! ؛ لقد طلبوا التهيئة والعون من الله لإعانتهم بما عزموا عليه طاعة له ، فإذا كان الإنسان مطيعاً لله عز وجل فإنه يكون مسدداً من الله ، فيعطيه الله رؤية صحيحة ، وبهذه الرؤية الصحيحة يتخذ قراراً صحيحاً ، ويعود إليه بالخير العميم إلى نهاية الحياة . وإذا كان غافلاً عن الله عز وجل ، ومع الظلمة الحمق ، ولذلك فالإنسان في ساعات الغفلة ، يتخذ قراراً أحمقاً ، قد يكون سبباً لشقائه إلى نهاية حياته..؛ فما أروع أن يكون الإنسان رشيداً.. فإنه يؤتى الخير الكثير.. ويتابع ربنا عز وجل الحديث عن هذه القصة فيقول : ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ﴾ فالأذن للنائم هي الطريقة الوحيدة لإيقاظه..!؛ وكما تعرفون أن الإنسان إذا نام أغمض جفنيه ، صار الطريق إلى إيقاظه طريق الصوت ،فالضرب للأذن سنوات وسنوات أمضاها هؤلاء الفتية وهم نائمون ..﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً ﴾هذه الكلمة لنعلم في حق الله لها معنى .. للتحقق الذي علمه الله من قبل ، العلم هنا التحقق ، أو الوقوع ، ليقع ما كان معلوماً عند الله عز وجل ..﴿ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ﴾ يقصد بذلك المؤمنون والمشركون ، كانوا قد تنافسوا في معرفة مدة مكوثهم في الكهف﴿ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً ﴾ يبدو أن الله عز وجل ، في هذه الآيات الأربع ، قد لخص لنا القصة بأكملها ، وإن شاء الله في قادم الجمع سنبدأ بذكر التفاصيل اذا ربنا سبحانه وتعالى وفقنا وأراد ذلك.. ربنا آتنا من لدنك ر حمة وهيئ لنا من امرنا رشداً..آمين اللهم آمين .. وجمعة مباركة ،ونختم بالصلاة على النبي محمد (ص) والحمد لله رب العالمين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق